إن
القرآن الكريم نزل لهداية البشر، وإرشادهم إلى الطريق المستقيم في العقائد
والأحكام ومكارم الأخلاق، وأكثر القرآن نزل إلى هذه الأغراض النبيلة من
غير سبب، وبعضه نزل مرتبطاً بأسباب خاصة.
فالصحابة رضي
الله عنهم الذين عاشروا رسول الله صلى الله عليه وسلم وعاشوا معه حياتهم
قد تقع منهم حادثة تحتاج إلى بيان حكم الله فيها، وقد يسألون عن أشياء
فينزل القرآن لذلك.
فسبب النزول
هو ما نزلت الآية أو الآيات أيام وقوعه متحدثة عنه مبينة حكمه والمعنى أن
حادثة وقعت أو سؤالاً وجه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فنزل الوحي ببيان
ما يتصل بتلك الحادثة مثل حادثة خولة التي ظاهر منها زوجها فأنزل الله
تعالى: "قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا
وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُ" المجادلة :1.
واعلم أنه لا طريق لمعرفة سبب النزول إلا بالنقل الصحيح عن الصحابة رضي
الله عنهم. قال الواحدي في أسباب النزول "لا يحل القول في أسباب النزول إلا
بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب".
فالمعول عليه
في أسباب النزول هم الصحابة، ومن أخذ عنهم من التابعين ومعرفة سبب النزول
أمر يحصل للصحابة بقرائن تختص بالقضايا، وكثير ما يجزم بعضهم بالسبب وربما
لم يجزم بعضهم بالسبب، وربما لم يجزم بعضهم فقال: أحسب هذه الآية نزلت في
كذا، كما قال الزبير في قوله تعالى: "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ
حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ" سورة
النساء : 65، روى الشيخان في صحيحيهما عن عروة بن الزبير عن أبيه أن رجلاً
من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحرة التي يسقون منها النخل فقال
الأنصاري سرح الماء يمر، فأبى عليه فاختصما عند رسول الله
r
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى
جارك، فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن كان ابن
عمتك، فتلون وجه رسول الله r
ثم قال للزبير يا زبير احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله
إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك "فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ
يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ" فاستوعى رسول الله صلى الله عليه
وسلم للزبير حقه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل ذلك قد أشار على
الزبير رأيا.
هذا
وقول الصحابة في سبب النزول محمول على الرفع كما نص على ذلك أئمة المصطلح
لأنه قول فيما لا مجال للرأي فيه، وبعيد كل البعد أن يقول الصحابي ذلك من
تلقاء نفسه فعدالته تمنعه من ذلك، فذلك محمول على السماع أو المشاهدة.
أما
قول التابعي: في سبب النزول فله حكم الرفع إلا أنه مرسل، قد يقبل إذا صح
السند إليه وكان من أئمة التفسير كمجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير.
واعلم
أيها القارئ الكريم أن الصحابة كانوا علماء مجتهدين في معرفة سبب النزول
ولذلك جاء عن ابن مسعود رضي الله عنه كما في صحيح البخاري والله الذي لا
إله غيره ما أنزلت سورة من كتاب الله إلا وأنا أعلم أين نزلت، ولا أنزلت
آية من كتاب الله تعالى إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، ولو كنت أعلم أحداً أعلم
مني بكتاب الله تبلغه الإبل لركبت إليه.
بعض فوائد أسباب النزول باختصار
1-
الاستعانة على فهم الآية وإزالة الإشكال عنها: قال الواحدي "لا يمكن معرفة
الآية دون الوقوف على قصتها". وقال ابن دقيق العيد: معرفة سبب النزول طريق
قوي في فهم معاني القرآن. وقال شيخ الإسلام بن تيمية في رسالته أصول
التفسير "معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث معرفة
المسبب " ولذلك أمثلة كثيرة منها:-
أ
- أن عروة بن الزبير رضي الله عنهما أشكل عليه فرضية السعي بين الصفا
والمروة من قول الله عز وجل: "إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ
اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن
يَطَّوَّفَ بِهِمَا" البقرة : 158 فقال: إن الله نفى الجناح ونفي
الجناح يدل على نفي الوجوب فسأل خالته عائشة رضي الله عنها، فقالت له: "إن
سبب النزول أنه كان قبل الإسلام على الصفا صنم يقال إساف وعلى المروة صنم
يقال له نائلة فلما جاء الإسلام تحرج المسلمون من السعي بينهما فأنزل الله
الآية رفعاً للحرج.
ب
- قوله تعالى: "وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ
إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ
يَحِضْنَ" الطلاق : 4 فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة حتى
نقل عن الظاهرية أن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب وقد أزال هذا الإشكال
سبب النزول، وذلك أنه لما نزلت الآية التي في البقرة في عدد النساء قال
الناس بقي عدد من النساء لم تذكر عدتها، فحينئذ أنزل الله الآية فعلم منها
أن حكم عدة اليائسة والصغيرة ثلاثة أشهر، إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم
عدتهن.
ج - قوله تعالى: "وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ" البقرة
: 115 فلو تركت على ظاهرها لفهم منها أن المصلي لا يجب عليه استقبال
القبلة فلما علم أنها نازلة في صلاة النافلة، أو في من عميت عليه القبلة
فصلى باجتهاده وبان له الخطأ بعد ذلك زال الإشكال عنه.
د
- ومن ذلك ما روى في الصحيح عن مروان بن الحكم أنه أشكل عليه قوله تعالى:
"لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن
يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ
مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ" آل عمران : 188. قال
مروان: لئن كان كل أحد فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن
أجمعون، حتى سأل ابن عباس عن ذلك فقال له ابن عباس: إن هذه الآية نزلت في
اليهود سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأروه أنهم
أجابوه واستحمدوه لذلك.
2- من
الفوائد دفع توهم الحصر: قال الشافعي: في قوله تعالى: "قُل لاَّ أَجِدُ
فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن
يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا" الآية الأنعام : 145 قال:
إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة
والمحادة فجاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال لا حلال إلا ما حرمتوه ولا
حرام إلا ماأحللتموه، نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلوى فتقول له لا
آكل اليوم إلا حلوى، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه
قال لا حرام إلا ما أحللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير
الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذ القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل.
ان
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب هذا إذا كان السبب خاصاً واللفظ عاماً،
فالحكم الذي يؤخذ من اللفظ العام يتعدى صورة السبب الخاص إلى نظائرها
كآيات اللعان التي نزلت في قذف هلال بن أمية زوجته "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ" .. إلى قوله .. "إِن كَانَ مِنَ الصَّادِقِين" سورة النور :
6-9. فيتناول الحكم المأخوذ من هذا اللفظ العام "وَالَّذِينَ يَرْمُونَ
أَزْوَاجَهُمْ" غير حادثة هلال دون احتياج إلى دليل، هذا هو الرأي
الراجح والأصح وهو الذي يتفق مع عموم أحكام الشريعة والذي سار عليه الصحابة
والمجتهدون من هذه الأمة.
أما
صيغة سبب النزول فتارة تكون نصا في سبب النزول، وتارة تكون محتملة فتكون
نصاً في سبب النزول فيما إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا، أو إذا
أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال، كما
إذا قال "حدث كذا" أو سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كذا فنزلت
الآية، فهاتان صيغتان صريحتان في السببية وتكون الصيغة محتملة للسببية ولما
تضمنته الآية من الأحكام إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا، فذلك يراد
به تارة سبب النزول ويراد به تارة أنه داخل في معنى الآية.
هذا: وقد يتعدد السبب والمنزل واحد، وذكر العلماء لذلك أربع حالات:
1- إما أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعول عليه ما صحت روايته.
2- أن تكون كلتا الروايتين صحيحة، ولأحدهما مرجح.
3- وإما أن تكون كل منها صحيحة ولا يمكن الترجيح، وقد يمكن نزول الآية عقبها.
4- وإما أن تكون كل منهما صحيحة ولا يمكن الترجيح ولا يمكن نزول الآية عقبها.
مثال الحالة الأولى:
أن تكون إحدى الروايتين صحيحة والأخرى غير صحيحة فالمعتمد في السبب
الصحيحة أنه صلى الله عليه وسلم اشتكى فلم يقم ليلة أو ليلتين، فجاءت امرأة
فقالت: ما أرى شيطانك إلا قد تركك، فأنزل الله "وَالضُّحَى* وَاللَّيْلِ
إِذَا سَجَى* مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى" الضحى : 1-3 مع ما أخرجه
الطبراني وابن أبي شيبة والواحدي وغيرهم بسند فيه من لا يعرف عن حفص بن
ميرة عن أمه عن أمها، وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن جروا دخل
بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير ومات فمكث النبي صلى الله
عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال: يا خولة ما حدث في بيت
رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني فقلت في نفسي لو هيأت البيت
وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه
وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله
"وَالضُّحَى" فالمعتمد الرواية الأولى لأنها صحيحة أما الثانية وإن كانت
مشهورة لكنها غير صحيحة لوجود الجهالة في سندها.
قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة لكن كونها سبب نزول الآية غريب بل شاذ مردود وفي إسناده من لا يعرف.
مثال الحالة الثانية:
التي هي أن تكون كلتا الروايتين صحيحة ولأحدهما مرجح ما أخرجه البخاري عن
ابن مسعود قال: كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ
على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم لو سألتموه فقالوا حدثنا عن الروح
فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه ثم قال: "قُلِ الرُّوحُ مِنْ
أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً" الإسراء :
84.
مع ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: قالت قريش لليهود أعطونا شيئاً نسأل هذا الرجل يريدون النبي صلى الله عليه وسلم.
فالأولى
تدل على أن السائل اليهود، وأن نزولها بالمدينة والثانية تدل على أن
السائل الكفار وأنها نزلت بمكة، والرواية الأولى أرجح لأمرين:
أ - أنها من رواية البخاري.
ب - أن الراوي في الأولى وهو ابن مسعود حاضر للقصة ومشاهد لها بينما ابن عباس الذي هو الراوي في الثانية لم يثبت أنه كان مشاهدا لها.
مثال الحالة الثالثة:
التي هي أن تكون كل من الروايتين صحيحة، ولا يمكن الترجيح لكي يمكن نزول
الآيتين عقب السببين لعدم العلم بالتباعد مثاله: ما أخرجه البخاري من طريق
عكرمة عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه
وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وسلم البينة أو حد في ظهرك
فقال يا رسول الله إذا وجد أحدنا مع امرأته رجلاً ينطلق يلتمس البينة فجعل
النبي صلى الله عليه وسلم يقول البينة أو حدّ في ظهرك فقال هلال: والذي
بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري فأنزل الله "وَالَّذِينَ
يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ .." الآية وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: جاء
عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا
وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم كيف يصنع به؟ فسأل عاصم رسول الله
فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين
رسول الله صلى الله عليه وسلم ولأسألنه فقال: إنه قد أنزل الله فيك وفي
صاحبتك القرآن … الحديث.
فهاتان الروايتان صحيحتان: ويمكن الجمع بينهما بأن أول من سأل هلال ثم سأل عويمر قبل الإجابة ثم نزلت الآيات.
مثال الحالة الرابعة:
التي هي استواء الروايتين أو الروايات في الصحة، ولا مرجح مع عدم إمكان
نزول الآية عقبها لتباعد الزمان فالحكم أن يحمل الأمر على تكرر النزول.
مثال ذلك ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه
وسلم وقف على حمزة حين استشهد، وقد مثل به فقال "لأمثلن بسبعين منهم مكانك"
فنزل جبريل بقوله "وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا
عُوقِبْتُم بِهِ" النحل : 126 مع ما أخرج الترمذي والحاكم عن أبيّ بن كعب
قال: لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون ومن المهاجرين ستة منهم
حمزة فمثلوا بهم فقالت الأنصار لئن أصبنا منهم يوماً مثل هذا لنربين عليهم
فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله سبحانه: وإن عاقبتم فعاقبوا الآية. قال في
المدخل:" فالأولى تفيد أن الآيات نزلت عقب أحد والثانية تفيد أنها نزلت يوم
الفتح، وبين الفتح وأحد حوالي خمس سنين إلى أن قال فلا مناص من القول
بتعدد النزول مرة يوم أحد ومرة يوم الفتح".
أول ما نزل من القرآن وآخر ما نزل منه
اعلم
أيها القارئ الكريم أن المتكلم في موضوع نزول القرآن لابد أن يتكلم عن أول
ما نزل وآخر ما نزل لتعلق هذا الموضوع بالنزول وعليه، فإن العلماء بحثوا
هذا الموضوع بحثا واسعاً لأهميته وأنا أتكلم فيه من النواحي التالية:
أول ما نزل مطلقاً.
آخر ما نزل مطلقاً.
أوائل مقيدة.
أواخر مقيدة.
بعض فوائد هذا النوع.
أول ما نزل من القرآن مطلقاً:
ذكر العلماء في ذلك أربعة أقوال:
1-
أول ما نزل قوله تعالى: "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ* خَلَقَ
الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ* اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ* الَّذِي عَلَّمَ
بِالْقَلَمِ* عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ" العلق: 1-5.
من الأدلة على هذا القول:
أ
– ما رواه البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت "أول ما بدئ به
رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصالحة في النوم، فكان لا
يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء، وكان يخلو بغار حراء
فيتحنث فيه الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله، ويتزود لذلك ثم يرجع
إلى خديجة فيتزود لمثلها حتى جاءه الحق وهو في غار حراء فجاءه الملك فقال
"اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد، ثم أرسلني فقال
اقرأ قلت ما أنا بقارئ فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني
فقال اقرأ باسم ربك الذي خلق" الخ
ب
– روى الحاكم في مستدركه والبيهقي في دلائل النبوة وصححاه عن عائشة أنها
قالت أول سورة نزلت من القرآن "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ " ومرادها بالسورة
صدرها.
2- أن
أول ما نزل قوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ .." إلى
قوله .. "وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ" المدثر : 1-5 وهذا القول مروي عن جابر بن
عبد الله وأبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف ومن الأدلة على هذا القول: ما
رواه الشيخان واللفظ للبخاري عن يحيى بن أبي كثير: قال سألت أبا سلمة بن
عبد الرحمن أي القرآن أنزل أول؟ فقال "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" فقلت
أنبئت أنه "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" فقال أبو سلمة سألت
جابر بن عبد الله أي القرآن أنزل أول؟ فقال "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ"
فقلت نبئت أنه "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ" فقال:
"لا أخبرك إلا بما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم جاورت في حراء فلما قضيت جواري هبطت فاستبطنت الوادي،
فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي ثم نظرت إلى السماء فإذا هو
–يعني جبريل- بين السماء والأرض فأخذتني رجفة، فأتيت خديجة فقلت "دثروني"
فأنزل الله يا أيها المدثر.
وأجاب أهل القول الأول عن هذا بأجوبة أحسنها.
أن "يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ" أول ما نزل بعد فترة الوحي، أما اقرأ فهي أول ما نزل على الإطلاق.
3-
أن أول ما نزل سورة الفاتحة وقد عزا هذا القول الزمخشري في كشافه إلى أكثر
المفسرين، ورد عليه الحافظ ابن حجر بأن هذا القول لم يقل به إلا عدد أقل
من القليل. من أدلة هذا القول: ما رواه البيهقي في دلائل النبوة والواحدي
بسنده عن أبي ميسرة عمر بن شرحبيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال
لخديجة: إني إذا خلوت وحدي سمعت نداء فقد والله خشيت أن يكون هذا أمرا
فقالت: معاذ الله ما كان الله ليفعل بك فو الله إنك لتؤدي الأمانة وتصل
الرحم، وتصدق الحديث، فلما دخل أبو بكر ذكرت خديجة حديثه له وقالت: اذهب مع
محمّد إلى ورقة بن نوفل فانطلقا فقصا عليه فقال: إذا خلوت وحدي سمعت نداء
من خلفي يا محمد يا محمد فانطلق هاربا في الأفق فقال لا تفعل إذا أتاك
فاثبت حتى تسمع ما يقول، ثم ائتني فأخبرني فلما خلا ناداه يا محمد قل بسم
الله الرحمن الرحيم "الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" إلى قوله "وَلاَ
الضَّالِّينَ" الفاتحة : 2-7 قال العلماء: والجواب عن هذا الحديث أنه مرسل
لا يعارض القول الأول.
القول
الرابع: إن أول ما نزل "بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ" دليل هذا
القول ما أخرجه الواحدي بإسناده عن عكرمة والحسن قالا: أول ما نزل من
القرآن "بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمـَنِ الرَّحِيمِ" وأول سورة "اقرأ باسم ربك"
قال السيوطي: وعندي أن هذا القول لا يعد قولا برأسه فإن من ضرورة نزول
السورة نزول البسملة.
واعلم أن هذه الآثار والأحاديث لا تنهض لمعارضة حديث عائشة الذي هو في الصحيح الدال على أن أول ما نزل "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ".
آخر ما نزل من القرآن مطلقاً
اعلم
أيها القارئ الكريم أنه ليس في هذا الموضوع أحاديث مرفوعة إلى النبي صلى
الله عليه وسلم يمكن التحاكم إليها وكل ما فيه آثار مروية عن بعض الصحابة
والتابعين استنتجوها من مشاهداتهم للنزول، وملابسات الأحوال فقد يسمع أحدهم
ما لا يسمع الآخر، ويرى ما لا يراه غيره، ومن هنا كثر الاختلاف في هذا
الموضوع ولنكتفِ بالبعض فقط على النحو التالي:
القول الأول:
أن آخر ما نزل قوله تعالى في آخر سورة البقرة "وَاتَّقُواْ يَوْمًا
تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ
وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ" البقرة : 281.
من الأدلة على هذا القول:
أ
– ما رواه النسائي من طريق عكرمة عن ابن عباس قال: آخر ما نزل من
وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ"
الآية وروى ابن مردويه بسنده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال آخر آية
نزلت من القرآن "وَاتَّقُواْ يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ"
الآية وعاش النبي صلى الله عليه وسلم بعد نزولها تسع ليال، ثم مات ليلة
الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.
وذكر
البغوي في تفسيره عند هذه الآية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذه آخر
آية نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال جبريل ضعها على رأس مائتين
وثمانين آية من سورة البقرة، وعاش بعدها رسول الله صلى الله عليه وسلم
أحداً وعشرين يوما.
وروى الألوسي في تفسيره عند هذه الآية روى أنه قال يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم اجعلوها بين آية الربا وآية الدين.
وفي رواية أخرى أنه صلى الله عليه وسلم قال جاءني جبريل فقال اجعلوها على رأس مائتين وثمانين آية من سورة البقرة.
قال في المدخل: وهذا الرأي هو أرجح الآراء والأقوال وهو الذي تركن إليه النفس للأسباب التالية:
1- لم يحظ قول من الأقوال الآتية بما حظي به هذا القول من الآثار وأقوال الأئمة.
2- ما تشير به هذه الآية في ثناياها من التذكير باليوم الآخر والرجوع إلى الله ليوفي كلا جزاء عمله، وهو أنسب بالختام.
3- ماظفر به هذا القول من تحديد الوقت بين نزولها ووفاة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يظفر قول بهذا التحديد.
القول الثاني:
أن آخر ما نزل هو قوله تعالى في سورة البقرة "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم
مُّؤْمِنِينَ" البقرة : 278.
ويدل لهذا القول ما أخرجه البخاري عن ابن عباس قال: وآخر آية نزلت آية الربا.
والحق الأول: ويجاب عن هذا القول إما بأنها آخر آية نزلت في شأن الربا وإما أنها من آخر الآيات نزولاً.
القول الثالث:
أن آخر آية نزلت آية الدين "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا
تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ" البقرة : 282.
وهي أطول آية في القرآن. ومن أدلة هذا القول ما أخرجه ابن جرير من طريق بن
شهاب عن سعيد بن المسيب أنه بلغه أن آخر القرآن عهداً بالعرش آية الدين،
مرسل صحيح الإسناد ويجاب عنه بأنها آخرية مقيدة، فهي آخر ما نزل في باب
المعاملات.
هذا:
وقد جمع السيوطي في الإتقان بين هذه الأقوال الثلاثة فقال: ولا منافاة
عندي بين هذه الروايات في آية الربا، وآية واتقوا يوما ترجعون فيه إلى
الله، وآية الدين، لأن الظاهر أنها نزلت دفعة واحدة كترتيبها في المصحف لأن
موضوعها واحد، فأخبر كل واحد عن بعض ما نزل بأنه آخر، وذلك صحيح.
وقد
جمع الحافظ بين القولين بأن هذه الآية هي ختام الآيات المنزلة في الربا إذ
هي معطوفة عليهن، كما رجح أن آية واتقوا يوما… هي الأليق بالختام.
القول الرابع:
آخر ما نزل قوله تعالى "يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي
الْكَلاَلَةِ" وآخر ما نزل من السور براءة، ويدل على هذا ما رواه البخاري
ومسلم عن البراء بن عازب أنه قال: آخر سورة نزلت براءة، وآخر آية نزلت
"يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ" النساء : 176.
يجاب عن هذا بأن سورة براءة آخر ما نزل في شأن القتال والجهاد.
القول الخامس:
أن آخر ما نزل قوله تعالى: "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا
فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" النساء : 93 ويدل لهذا القول
ما رواه البخاري عن ابن عباس قال: نزلت هذه الآية ومن يقتل مؤمناً متعمداً
فجزاؤه جهنم خالداً، هي آخر ما نزل، وما نسخها شيء والجواب أنها آخر ما
نزل في حكم قتل المؤمن عمداً، فهي آخرية مقيدة.
القول السادس:
أن آخر ما نزل قوله تعالى: "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ
عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ" براءة : 128. إلى آخر سورة براءة من الأدلة على هذا
القول ما رواه الحاكم في المستدرك عن أبيّ بن كعب قال آخر آية نزلت:
"لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ" إلى آخر السورة.
قال
في الإتقان "وروى ابن مردويه عن أبيّ أيضاً قال: آخر القرآن عهدا بالله
هاتان الآيتان "لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ" إلى قوله
"وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ". ويجاب عنه أنهما آخر ما نزل من سورة
براءة.
القول السابع:
آخر ما نزل سورة المائدة من الأدلة على هذا القول ما رواه الترمذي والحاكم
عن عائشة رضي الله عنها قالت آخر سورة نزلت المائدة فما وجدتم فيها من
حلال فاستحلوه وما وجدتم من حرام فحرموه.
ويجاب عن هذا القول بأنها آخر سورة نزلت في الحلال والحرام.
القول الثامن:
آخر سورة نزلت "إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ" النصر : 1 قال في
الإتقان رواه مسلم في صحيحه عن ابن عباس، ورواه النسائي أيضاً عنه ويجاب عن
هذا القول بأنها آخر سورة نزلت بتمامها.
قال في المدخل: "وقد عرفت أن القول الأول هو الصحيح الراجح وعرفت الإجابة عما ورد مخالفاً له وأن المراد أواخر مقيدة لا مطلقة".
الأوائل المقيدة والأواخر المقيدة
هذا
البحث كثير، ولهذا يكتفى فيه بذكر نماذج من الأوائل المقيدة والأواخر
المقيدة: حسب ما ذكره العلماء فأقول: أول آية نزلت في الخمر "يَسْأَلُونَكَ
عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ
لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا" البقرة : 219.
أول
ما نزل في الجهاد قوله تعالى "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ
ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" إلى قوله
"وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ" الحج : 39-41
أول
ما نزل في شأن القتل آية الإسراء وهي قوله تعالى "وَلاَ تَقْتُلُواْ
النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالحَقِّ وَمَن قُتِلَ
مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي
الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا" الإسراء : 33.
نماذج من الأواخر المقيدة
1-
آخر ما نزل في تحريم الخمر "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا
الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ
الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" إلى قوله "فَهَلْ
أَنتُم مُّنتَهُونَ" المائدة:90-91
2-
آخر آية نزلت في شأن القتل "وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا
فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ
وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا" النساء : 93.
فوائد معرفة أول ما نزل وآخر ما نزل
اعلم
أن هذا المبحث لا مجال للعقل فيه، إلا بالترجيح بين الأدلة وجمع المتعارض
إن وجد، والمدار فيه على النقل، ولمعرفته فوائد نلخّص منها بعض الفوائد:
فيما يلي:
1-
معرفة الناسخ والمنسوخ فيما إذا وردت آيتان أو أكثر في موضع واحد وحكم
إحداهما يغاير الآية الأخرى تغايراً لا يمكن معه الجمع فنلجأ حينئذ إلى
معرفة المتقدم فيعلم أنه منسوخ بالمتأخر.
2-
تاريخ التشريع الإسلامي وذلك مثل ما إذا عرفنا أن الآيات التي فيها الأمر
بالصلاة نزلت بمكة قبل الهجرة، وأن الآيات التي فيها الأمر بالزكاة وبالصوم
كانت في السنة الثانية للهجرة بالمدينة المنورة، وأن آيات الحج نزلت في
السنة السادسة على الراجح كان بالإمكان ترتيبها ترتيبا شرعياً فنقول: أول
ما فرض الصلاة ثم الزكاة ثم الصوم ثم الحج.
وكذلك
إذا علم أن آية "أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا
وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ" الحج : 39 نزلت بالمدينة في
السنة الثانية علم أن الجهاد فرض في المدينة في السنة الثالثة وهكذا.
3-
من الفوائد كذلك معرفة التدرج في التشريع ويتوصل به إلى معرفة حكمة الله
في أخذ الشعوب بهذه السياسة الحكيمة في الإسلام، وذلك مثل ما إذا عرفنا
ترتيب الآيات التي نزلت في شأن الخمر، ومثل ما إذا علمنا أن الآيات الداعية
إلى أصول العقائد، نزلت أولاً بمكة، بخلاف الآيات النازلة في الأحكام
التشريعية التفصيلية والعملية، فإنها نزلت بالمدينة، فإنه ما لم تعرف
الأصول ويطمئن إليها، لا يسهل الأخذ بالفروع".
تنبيه
قال السيوطي: قد يشكل على ما تقدم في آخر ما نزل مطلقاً قوله تعالى "الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ"
المائدة : 3 فإنها نزلت بعرفة عام حجة الوداع، وظاهرها إكمال جميع الفرائض
والأحكام قبلها، وقد صرح بذلك جماعة منهم السدي فقال: لم ينزل بعدها حلال
ولا حرام مع أنه وارد في آية الربا والدين والكلالة أنها نزلت بعد ذلك. وقد
استشكل ذلك ابن جرير وقال: الأَولى أن يتأول على أنه أكمل لهم دينهم
بإفرادهم بالبلد الحرام، وإجلاء المشركين عنه، حتى حَجَّه المسلمون لا
يخالطهم المشركون.
قال الشاعر:
فألقت عصاها واستقر بها النوى كما قَرَّ عيناً بالإياب المسافرُ
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
وكان الفراغ من هذا البحث في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والتسليم، بتاريخ 25/1/1421هـ من هجرته صلى الله عليه وسلم.
الخاتمةوهي عبارة عن بعض النتائج التي توصل إليها الباحث مع اقتراح يقترحه. 1- النتيجة الأولى: أن نزول القرآن الكريم من أهم موضوعات علوم القرآن بل كل موضوعاته الأخرى مبنية على نزول القرآن الكريم.
2- النتيجة الثانية: أن علوم القرآن الكريم كفن مدون مستقل بنفسه بهذا اللقب ما كان معروفاً في العصور الأولى.
3- النتيجة الثالثة: أن أول ظهور لهذا الفن، مدوناً مستقلاً كان على يد الحوفي المتوفى سنة 430هـ في كتابه البرهان في علوم القرآن.
4- النتيجة الرابعة: أن العلماء اختلفوا في تعريف القرآن وأحسن تعاريفه، كما عرفه في المراقي "أنه اللفظ المنزل على محمد صلى الله عليه وسلم المتعبد بتلاوته المعجز بألفاظه ومعانيه".
5- النتيجة الخامسة: أن القرآن معجز بلفظه ومعناه، وأن النظَّام ومن شايعه القائلين بالصرفة قولهم ضعيف مردود.
6- النتيجة السادسة: أن القرآن الكريم أنزل مرتين مرة جملة واحدة إلى بيت العزة من سماء الدنيا، ومرة أنزل مفرقاً منجما على حسب الوقائع والأحداث على مدى ثلاث وعشرين سنة.
7- النتيجة السابعة: أن لنزول القرآن الكريم مفرقاً حكماً كثيرة كما ذكر بعضها في ثنايا البحث.
8- النتيجة الثامنة: أن حديث نزول القرآن على سبعة أحرف ثابت حيث ورد بروايات صحيحة لا طعن فيها، وأنه يدل على التيسير بهذه الأمة واللطف بها مع أن معنى الحديث من المشكل المختلف فيه بين العلماء.
9- النتيجة التاسعة: أن القرآن الكريم لم ينزل منه شيء إلا عن طريق جبريل عليه السلام، ولم يأت منه شيء عن تكليم أو إلهام أو منام بل كله أوحي به في اليقظة وحيا جلياً.
10- النتيجة العاشرة: أن الكتب السماوية غير القرآن الكريم كالتوراة والإنجيل نزلت جملة واحدة، ولم تنزل مفرقة.
11- النتيجة الحادية عشرة: أن المعول عليه في أسباب النزول هم الصحابة ومن أخذ عنهم من التابعين، لا غير.
12- النتيجة الثانية عشرة: أن معرفة سبب النزول طريق قوي ومعين على فهم الآية، وإزالة الإشكال عنها وله فوائد جمة.
13- النتيجة الثالثة عشرة: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب عند جماهير العلماء من المحدثين والفقهاء والأصوليين.
14- النتيجة الرابعة عشرة: أن أوّل ما نزل من القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم صدر سورة "اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ".
15- النتيجة الخامسة عشرة: أن آخر ما نزل من القرآن الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى "وَاتَّقُواْيَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ".
أما الاقتراح الذي اقترحه فهو أن يشكل المسلمون هيئة عليا من العلماء والقادة، للدفاع عن القرآن الكريم وحقوقه بحيث يكون للهيئة مقر ثابت في إحدى الدول الإسلامية، كالهيئات العالمية الأخرى.فهرس المصادر والمراجع1- اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر: للدكتور فهد بن سليمان الرومي، (بدون مكان طبع) ط (1) 1407هـ.
2- الإتقان في علوم القرآن: لأبي الفضل عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي (ت: 911هـ) تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة دار التراث القاهرة ط (3) 1405هـ.
3- أحكام القرآن: لأبي بكر محمد بن عبد الله المعروف بابن العربي (ت: 543هـ) تحقيق محمد علي البجاوي، دار المعرفة – بيروت (بدون ناريخ).
4- إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم: لأبي السعود محمد بن محمد العمادي (ت: 951هـ)، دار إحياء التراث العربي – بيروت (بدون تاريخ).
5- أسباب النزول: لأبي حسن علي بن أحمد الواحدي (ت:468هـ) تخريج عصام بن عبد المحسن الحميدان، دار الإصلاح – الدمام ط (2) 1412هـ.
6- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن: لمحمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي (ت:1393هـ) طبع وتوزيع: الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – الرياض 1403هـ. 7- إعجاز القرآن: لأبي بكر بن الطيب الباقلاني (ت: 403هـ) تحقيق/ السيد أحمد صقر، دار المعارف – القاهرة ط (5)، 1401هـ.
8- البرهان في علوم القرآن: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الزركشي (ت:794هـ) تحقيق د/يوسف عبد الرحمن المرشلي وزميليه، دار المعرفة – بيروت ط (1) 1410هـ – ومصوّرة دار المعرفة – بيروت بتحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (بدون تاريخ).
9- التبيان في آداب حملة القرآن: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت:676)، حققه وخرّج أحاديثه: عبد القادر الأرناؤوط، مطبوعات جمعية القرآن الكريم – جدة ط (2)، 1408هـ.
10- تفسير التحرير والتنوير: لمحمد الطاهر بن عاشور (ت: 1393هـ)، دار التونسية – تونس 1404هـ.
11- تفسير القرآن العظيم: لأبي الفداء إسماعيل بن كثير الدمشقي (ت: 774هـ)، نشر: مكتبة المعارف – الرياض ط(1) 1406هـ.
12- التفسير والمفسرون: للدكتور محمد حسين الذهبي (ت: 1397هـ)، دار الكتب الحديثة – القاهرة، ط (2) 1396هـ.
13- تناسق الدرر في تناسب السور: لأبي الفضل عبد الرحمن السيوطي (ت: 911هـ) تحقيق/عبد القادر أحمد عطا، دار الكتب العلمية – بيروت، ط (1) 1406هـ.
14- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان: لعبد الرحمن بن ناصر السعدي (1376هـ) مركز صالح بن صالح الثقافي – عنيزة ط (1) 1407هـ.
15- جامع البيان عن تأويل آي القرآن: لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري (ت: 310هـ) شركة مكتبة ومطبعة مصطفى الحلبي – القاهرة ط (3) 1388هـ.
16- جامع الترمذي: لأبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي (ت: 279هـ)، مطبعة مصطفى البابي الحلبي – القاهرة ط (2) 1398هـ.
17- الجامع لأحكام القرآن: لأبي عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (671هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت (بدون تاريخ).
18- حديث الأحرف السبعة: دراسة لإسناده ومتنه واختلاف العلماء في معناه وصلته بالقراءات القرآنية: للدكتور عبد العزيز القارئ، دار النشر الدولي – الرياض ط (1)، 1412هـ. 19- الدر المنثور في تفسير المأثور: لأبي الفضل عبد الرحمن بن الكمال السيوطي (ت:911هـ) دار الفكر- بيروت ط (1) 1403هـ.
20- دلائل النبوة: لأبي بكر أحمد الحسين البيهقي (ت: 458هـ)، دار الكتب العلمية – بيروت ط (1)، 1405هـ.
21- روح المعاني في تفسير القرآن والسبع المثاني: لأبي الثناء محمود الألوسي (ت: 1270هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت (بدون تاريخ).
22- روضة الناظر وجنة المناظر: لأبي محمد عبدالله بن أحمد بن قدامة المقدسي (ت:620هـ)، دار الكتاب العربي – بيروت ط (1) 1401هـ.
23- سلسلة الأحاديث الصحيحة: لمحمد ناصر الدين الألباني (ت:1420هـ) ، مكتب الإسلامي – بيروت.
24- سنن أبي داود: لأبي داود سليمان بن الأشعث السجستاني (ت: 275هـ)، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، دار الحديث للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت ط (1)، 1388هـ.
25- صحيح البخاري: لأبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري (ت:256هـ) ضبط وترقيم وعناية: د. مصطفى البُغا دار القلم – دمشق – بيروت ط (1) 1401هـ.
26- صحيح مسلم: لأبي الحسين مسلم بن حجاج القشيري ( ت: 261هـ) تحقيق : محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي – بيروت (بدون تاريخ) 27- صحيح مسلم شرح النووي: لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت:676هـ) دار الكتب العلمية – بيروت (بدون تاريخ).
28- طبقات المفسرين : لأبي الفضل عبد الرحمن بن الكمال السيوطي (ت:911هـ) تحقيق: علي محمد عمر، نشر :مكتبة وهبة – القاهرة ط (1) 1396هـ.
29- طيبة النشر في القراءات العشر: لأبي الخير محمد بن محمد بن الجزري (ت:833هـ) مراجعة وتحقيق علي محمد الطباع، مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي – القاهرة، ط(1) 1369هـ.
30- علوم القرآن: للدكتور عدنان زرزور، المكتب الإسلامي – بيروت، ط (2) 1404هـ.
31- علوم القرآن بين البرهان والإتقان دراسة مقارنة: للدكتور حازم سعيد حيدر، مكتبة دار الزمان – المدينة ط(1) 1420هـ. 32- غاية المنتهى في طبقات القراء: لأبي الخير محمد بن محمد الجزري (ت:833هـ) عني بنشره: ج. برجستراسر دار الكتب العلمية – بيروت ط(3) 1402هـ .
33- فتح الباري بشرح صحيح البخاري: لأبي الفضل أحمد بن علي بن حجر العسقلاني (ت:852هـ) تحقيق/ محب الدين الخطيب، دار الريان – القاهرة، ط(1) 1407هـ. 34- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير: لمحمد علي الشوكاني (ت:1250هـ) دار المعرفة – بيروت (بدون تاريخ). 35- فنون الأفنان في عيون علوم القرآن: لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي بن الجوزي (ت:597هـ) تحقيق د/ حسن ضياء الدين عتر، دار البشائر الإسلامية – بيروت، ط (1) 1408هـ. 36- القاموس المحيط: لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي (ت:817هـ) تحقيق : مكتب التراث في مؤسسة الرسالة – بيروت ط (2) 1407هـ.
37- قرة الأبصار في سيرة المشفع المختار: (خ) للَّمطي عبد العزيز بن عبد العزيز الفاسي (ت: نحو 880هـ). 38- الكشاف عن حقائق التنزيل: لأبي القسم محمود بن عمر الزمخشري (ت: 538هـ) مكتبة المعارف – الرياض (بدون ناريخ).39- لباب النقول في أسباب النزول:لجلال الدين عبد الرحمن بن الكمال السيوطي (ت:911هـ) دار إحياء العلوم – بيروت ط(4) 1406هـ.
40- لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير: د.محمد الصباغ، المكتب الإسلامي – بيروت (بدون تاريخ).
41- مباحث في علوم القرآن: للدكتور صبحي الصالح (ت:1407هـ)، دار العلم للملايين – بيروت، ط(16) 1405هـ.
42- مباحث في علوم القرآن: لمناع خليل القطّان، مؤسسة الرسالة – بيروت ط (21) 1407هـ.
43- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: جمع وترتيب: عبد الرحمن بن قاسم النجدي وابنه محمد، توزيع رئاسة شؤون الحرمين – مكة مصورة عن الطبعة الأولى /1398هـ.
44- محاسن التأويل: لمحمد جمال الدين القاسمي (ت:1332هـ) تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، دار الفكر – بيروت ط(2) 1398هـ. 45- المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز: لأبي محمد عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت: 546هـ)، تحقيق المجلس العلمي بفاس عام 1413هـ.
46- مختار الصحاح: لأبي محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي (ت: بعد 660هـ)مكتبة لبنان – بيروت، 1409هـ.
47- المدخل لدراسة القرآن الكريم: د.محمد بن محمد أبو شهبة (ت: 1403هـ) مكتبة السنة – القاهرة ط(1) 1412هـ.
48- مذكرة أصول الفقه: د. لمحمد الأمين بن المختار الشنقيطي (1393هـ) دار القلم – بيروت (بدون تاريخ).
49- مراقي السعود: لسيدي عبد الرحمن بن حاج إبراهيم (ت: 1233هـ) طبعة فضالة- المغرب.
50- المستدرك على الصحيحين: لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الحاكم (ت: 405هـ) تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، توزيع مكتبة الباز- مكة ط (1) 1411هـ.
51- مسند الإمام أحمد: لأبي عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل (ت: 241هـ) دار صادر – بيروت (بدون تاريخ).
52- معالم التنزيل: لأبي محمد الحسين بن مسعود البغوي (ت:516هـ) تحقيق/ محمد عبد الله النمر وزميليه، دار طيبة – الرياض 1409هـ.
53- مفردات ألفاظ القرآن: لأبي القاسم الحسين بن الفضل المعروف بالراغب الأصفهاني (ت: في حدود 425هـ) تحقيق صفوان عدنان داوودي. دار القلم – دمشق ط(1) 1412هـ.
54- مقدمة في أصول التفسير: لأبي العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية (ت:728هـ)، تحقيق د.عدنان زرزور، دار القرآن الكريم – بيروت ط(3)، 1399هـ.
55- مناهل العرفان في علوم القرآن: لمحمد عبد العظيم الزرقاني (ت:1367هـ) دار إحياء التراث العربي – بيروت (بدون تاريخ).
56- النجوم الطوالع على الدرر اللوامع في أصل مقرأ الإمام نافع: لإبراهيم المارغني (ت:1349هـ). (بدون تاريخ).
57- النكت والعيون : تفسير الماوردي: لأبي الحسن علي بن حبيب الماوردي (ت:450هـ) تحقيق : خضر محمد خضر، منشورات وزارة الأوقاف الكويتية ط (1) 1402هـ.
تم بحمد الله
0 التعليقات:
إرسال تعليق